الاثنين، 14 أغسطس 2023

أنواعُ القلوب

 محمد السيد

هناك قلوبٌ جدباء لا زرعٌ فيها ولا ماء، وهناك قلوبٌ خَصْباء تُربتُهَا والغيثُ سواء

السبت، 5 أغسطس 2023

لا تنهك نفسك في معارك خاسرة

محمد السيد

 لا جدوىٰ مِنْ تخفيفِ حمولةِ سفينةٍ قدِ ارتطمتْ بالصَّخرِ.

لا تبالغ

 محمد السيد

ما الدَّاعي أنْ تذهبَ إلىٰ عمقِ البحر؛ مادام الشَّاطئ يغمرك

الحبُّ

 محمد السيد

ڪلما زادَ الحبُّ؛ زالتْ الحواجزُ، وفُتحتْ النَّوافذُ.

قصف

محمد السيد

جاري المسكين، كان يستعير قدماي صباحَ كلّ يومٍ  يزورُ فيهِ قبرَ ابنهِ الدَّفينِ تحتَ أنقاضِ المنزلِ القديم

غيابٌ وعودةٌ

 قصة قصيرة

محمد السيد

اهتزازات متتالية، كزلزالٍ شقّ السَّماء، رجّ قلوبنا، وتلتل دموعنا، تكبير، صياح، بكاء، نواح، أعين تتحرك بسرعة، قلوب وجلة، أبصار مخطوفة، أنفاس متلاحقة، شهقات مختبئة، أطفال يبكون حسرة على دنيا لن يكملوها، كبير سن يحوقل، آخر يتلو آيًا من القرآن، وتلك تندب حظها، وتلعن السّاعة التي ركبت بها على متن هذه الطائرة، أما أنا فأصمني الذهول وشغلني مراقبة المذعورين من حولي عن الصّراخ، وتراءى شريط حياتي أمام عيني؛ زوجتي بصوتها المحتقن وهي ترجوني ألا أسافر هذه المرة ولسان حالها يقول (هذه البلدة أفضل من غيرها)، وعلى كتفها طفلنا الوحيد الذي انجبناه بعد طول انتظار، ما يقارب الأربع سنوات من مواصلة الأطباء هنا وهناك، أدوية بالآلافوليالٍ من البكاءِ والدّعاء والتّضرع والرجاء، (ناجي) صغيري الجميل لا أعرف كيف يبدو الآن وقد مرَّ أكثر من ثلاث سنوات على بعدي عنه، قضيتُ نصفها في غرفتي الصغيرة بين ثلاثةٍ من أصدقائي في فترة الوباء؛ قضيناها بين الحظر الكلي، ثمّ الجزئي، وكأننا في زنزانةٍ كبيرة حريتنا مقيدة وعالمنا ينحصر بين متعلقاتنا الشخصية الصَّمَّاء القليلة التي يمكن أن تحتويها غرفة صغيرة ضيقة لثلاثة أشخاص- ثلاثة أسرَّة حديديَّة فردية نفترشها وحدتنا،ملتحفين سقفها الشاهق وملابسنا المعلقة على الحائط، ومحاطين بثلاجة صغيرة، وطباخ قديم- كان منفذنا الوحيد ساعة التَّرجل اليتيمة التي سُمح لنا بها ورذاذ صوت الأحبَّة المتطاير من سُحب الهواتف المطلّة على ساحة آذانناالمقفرة.

الأم، الأب، الأخوة، والأخوات؛ كلٌّ يتسلل عبر هذه النافذة الصغيرة لدقائق ثم ينطوي بضغطةٍ واحدة على مفتاح إنهاء المكالمة، الليل البهيم والوحدة الموحشة وتذكر الأيام الخوالي يجبرون قلبي على البكاء من حينٍ إلى آخر،زوجتي العزيزة (حياة) أحببتها منذ يومنا الأول بالجامعة كانت تجلس منطوية  بالمدرج الخاص بالنّساء، لكنها كانت تشرق بينهنّ طيلة الوقت، بعدما تخرجنا وعدتها بالزواج فور حصولي على فرصةِ عمل مناسبة؛ أتت فرصة وفرصة واشتياقي يزيد والحب يلتهب فيوخز قلبي الهائم بحبها؛ فتزوجنا ومرّت أحلى سنوات عمري بصحبتها، أزهرت بين يدي وانتعش قلبي برحيقها، برغم ما عانيناه سنوات البحث عن طفلٍ يحمل اسمي وحسنها.

مضى الوقت في رحابها سريعًا، ظلّت طفلتي المدللة وظللتُ طفلها المدلل، حتى بعدما رزقنا الله بطفلنا الجميل، كنّا بالكاد نعيش؛ الدخل المُتحصَّل يضيع قبل نهاية الشهر، كانت دائمًا راضية وكنت راضيًا برضاها. 

صديقي القديم زارني بغتة ويحمل في يده هدية، ورقة مطوية (عقد عمل في الخارج) سعدنا بها برغم أننا نعلم أنها ستحيل زواجنا إلى زواجٍ مع وقف التنفيذ زواج على ورق- شهر واحد فقط قضيته بصحبتها قبل اغترابي خارج البلاد واغترابها في غياهب الحياة ووسوسات القريبات على مدار ثلاث سنوات، لم أنسَ يومًا - في زحمةِ العمل - ملامحها المنمقة وصوتها الدَّافئ وسكون ولدي على صدرها...  

عاد وجهي للتجهم، وصوتي للاختناق وعيني للذهول؛ ضجيجٌ قاتل ومازالت الحركة مستمرة، بل تتسارع وتيرتها ويزداد صراخ النِّساء وعويل الأطفال الصغار العالقين بأجيادِ الأمهات.

غرقتِ الطائرة في أصوات التَّكبير والتهليل والدُّعاء والنُّطق بالشِّهادتين، على يميني عجوز قابضٌ على مصحفه وقد جحظت عيناه وفمه يتمتم بما استطاع أن يتذكره من آيات القرآن، وعلى اليسار يربض صليبًا ذهبيًا في كفِّ امرأة تصطك أسنانها من فرط الرعب.

الطّائرة تهتزّ بقوة شديدة، لم أكن أعلم أنَّ للسقوط جلبةًوفحيحًا كفحيح أفعى غاضبة، ما أدهشني أنّي لم أشعر بألم قط، فقط صُمَّتْ أذناي لبرهة ثمَّ انطفأ النور في عيني؛ ما عدتُ أرى شيئًا أو أشعر بشيءٍ من حولي؛ لا أعلم كم مرَّ من الوقت حتَّى سمعتُ دقّات ساعة الحائطِ وفي عيني صورة مشوشة لتلفازٍ معلَّقٍ على حاملٍ أسفل تلك السَّاعة، مضبوط على إحدى المحطات الإخبارية المعروفة، وعلى لسان مذيعتها: 

(ناجٍ وحيدٍ من حادثِ تحطمِ طائرة الركاب...)؛ تسللتِابتسامة صغيرة على وجهي وأنا أسترقُ نظرة مشوشة للممرضة الحسناء وهي تقول بصوتٍ أنثويٍّ ناعمٍ بالكاد أسمعه:  

(حمدًا لله على سلامتك). تمت

حبي محتاج له دراسة

 محمد السيد


ببتسم لما بشوفِك

وانتِ وخداكي السياسة

ببتسم رغم اني عارف

ابتسامي مش كياسة

واني لما بقول بحبك

مش على سبيل الوناسة

ولَّا حتى ضَعْف مني

إن حبي ده بشراسة

حب غير الحب كله

حب محتاجله دراسة. 





حِيْنَ يَحِيْنُ الْعَرْضُ

محمد السيد

تشرين..تُشِيْرُ الساعةُ للتاسعةِ مساءً..تعلو لوحاتٌ ورقيةٌ إعلانيةٌ ضخمةٌ واجهة المبنى..ضجيجٌ لا متناهي..نساءٌ ورجال..يندفعن حول الشباك الزجاجي الصغير..أخترقُ الجموعَ المكتظة..أستلُ تذكرتي و صاحبتي..نسيرا منتشيين نحو القاعة..يستوقفنا موظفُ الدخول بمصباحه اليدوي..بصوتٍ خافت..بالكادِ نسمعه.."أهلاً يا بيه..أهلاً يا هانم..اتفضلوا"..يُرْشِدُنَا إلى مقعدينا..شاشةٌ سوداءٌ ضخمة..موسيقى كلاسيكية شرقية جذابة..يظهر عنوان الشركة المنتجة..تقدم..تتتابعُ الأسماءُ على خلفيةٍ ليليةٍ ، يظهرُ أعلاها القمر..تتحرك الصورةُ لتعرض في انسيابيةٍ عجيبة , مدينةً تزهو شوارعها بحركةِ المارة..رجالاً متحررينَ ونساءً شبه عاريات..ظلامٌ دامسٌ يعم المكان من حولي..الناسُ تبدو هائمة في الظلام..لا أراهم إلا أشباحاً خلف الشاشةِ التي يخترق ضوءها الخافت أساريرَ الظلام..تتتالى المشاهد مشهداً مشهد..لقطةً لقطة ؛ مع تتالي الأحداث للنصِ السينمائي المكتوب بحبكةٍ سنيمائيةٍ رائعة..نصٌ مكتوبٌ بعناية..صورةٌ ذات جودةٍ عالية بين شريطين أسودين..تستهويني البطلةُ الشقراء..ابتسامتُها الساحرة..غمازتاها..عيناها النجلاوتان الخضراوان..قوامُها الممشوق..تتمايل مع سمفونيةٍ كلثوميةٍ آسرة ، فتسرقُ الأنظار..تتحرك الصورة لتستكشف ثنايا جسدها المفتون..خبايا قسماتها..تشدُّ رفيقتي على يدي..أشعر ببرودةِ أنامِلِها..ترتعش..أعصرُ كفَّها البضَ بكفي..ابتسم وكأنني أتجاهل..أنظرُ من حولي..الكل يحدق والبعض يُقَبَّل..النساءُ يختلسن في خجل..أحاول لملمت شتاتي..أعودُ إلى الشاشة..مازالت البطلة تتمايل وحبيبها مشدوه..الجمهورُ يتابع..الأحداثُ تتتابعُ في حبكة..سياراتٌ تتحطم..أصواتُ رصاص من هنا وهناك..تعلو الموسيقى التصويرية الحركية..يمرُ الوقتُ والأحداثُ تتتابع..يلقى البطلُ البطلة..بعد تحدٍ دام طويلاً..يحصلُ عليها..يأخذها بين ذراعيه ويغيبا في قبلةٍ طويلة..يظهرُ عنوان النهاية..تصعدُ كلماتُها من أسفلِ الشاشة..تُضَاْءُ الأضواء..يتنهد الجميعُ قبل النهوضِ لمغادرةِ القاعة..بين كلِ زوجين..تعلو ثرثرات النقاش..الضحكات..الابتسامات والانبهارات..يخرج الجميعُ بحالةٍ مختلفة وتخلو القاعة.


القدسُ الحزين

 محمد السيد

زيتونتي  وحبيبتي

                يا مَنْ بحالِي تعلمينْ

أفلنْ تنيري دُنيتي
                  بثمارِ تينِكِ ترسُمينْ
ياهذهِ الأرضُ التي
       ضاقتْ بها القدسُ الحزينْ
القلبُ ذابَ منَ الهوىٰ
             والروحُ يسكنُهاْ الحنينْ
شوقاً فيُضنيها الجَوىٰ
                فتعود يحملها الأنينْ
أبكي وفاضتْ دمعتي
              كمدًا لحالِ المسلمينْ
أبكي وأسمىٰ بُغْيتي
         أنْ نتركَ الصمتَ المشينْ
أنَّىٰ   لنصرٍ   يـأتنا
                    والكلُّ فينا لاجئينْ
يا أرض قدْ أضحتْ بنا
               تلكَ المدائنُ تستعينْ
ولقدْ  تلاكِ  نبيُّنا
                 بكتابنا الحقِ المبينْ
يا زهرةً فاضتْ لكِ
            عينُ المساكنِ في جِنينْ
فُكِّ  الحِصَارَ  فَإِنَّكِ
           أَرْضُ الهُدَىٰ والْمُرْسَلِينْ
فَالأَقْصَىٰ عَادَ لِيَسْتَقِي
                 مِنْ دَمِّنَا شَرْعَاً وَدِينْ 
سَنَمُوْتُ حَتَّىٰ نَلْتَقِي
             لنْ نستزيدَ مِنَ السِّنينْ
لِيَعُوْدَ حُرَّاً قُدْسُنَا
                 نورُ الهدىٰ للعالمينْ
للنّاسِ نِبْرَاسُ الدُّنَا
                  هَدْيَاً لِكُلِّ النَّاسِكِينْ
وَلْيَبْقَ فِي عِزٍ بِنَا
                    جُدْرَاْنُهُ لَا تَسْتَكِينْ
فَالْقُدْسُ أَغلىٰ ماْ لَنَا
               ملِّي لمنْ قَدْ يستهينْ
إنَّ التُّرابَ بأرضِنا
              شَرفٌ عَلا فوقَ الْجَبِينْ. 



ليتنا نعود

 مقال

محمد السيد

ليتنا نعودُ إلى سابقِ عهدِنا نعيشُ في بيوتٍ بسيطةٍ..نُحبُ جيرانَنا ونتبادل الطعامَ فيما بيننا..نلتفُ معاً على مائدةٍ واحدةٍ، ونسيرُ في شوارعٍ خاليةٍ منَ الازدحامِ وعوادمِ السيارات..نجلسُ على مقهًى يجمعُ المثقفين..نتبادلُ أطرافَ حديثٍ مثمرٍ..نلتفُ حولَ صوتِ المذياعِ الضخمِ وجريدةٍ هادفةٍ تجمعُ أقلامَ المفكرين..نملؤ أرجاءَ المكتبات ونستعيرُ الكتبَ والروايات..نذهبُ مستمتعينَ للمدارسِ والكتاتيب حيث كان للمعلمِ هيبةً وقيمةً وقامةً كبيرة..نسيرُ بمحاذاةِ رصيفِ البحرِ أو(كورنيش) النيل حيث تجتمعُ الأحبة..نشتري ذرةً مشويةً ونأكلُ حباتِ تُرمُسٍ وحمصَ الشامِ فيدفئُ قلوبَنا العاشقة..نزرعُ المحاصيل المختلفة ونأكلُ الفاكهةَ المقطوفةَ من الشجر، رغمَ بساطةِ العيشِ كانتِ البركةُ في كلِّ شيء فليتنا نعود...

الزِّنزانة

 قصة قصيرة جدًا
محمد السيد

لم تكنْ في تلكَ الغرفةِ الصغيرةِ المظلمةِ نافذةٌ يتسلل منها شعاعُ الشمسِ وأشتمُّ من خلالها رائحةَ الزهورِ العطرة التي تحيط بذلك المبنى اللعين؛ بعد أعوامٍ طويلةٍ علمتُ أن الحريةَ الحقيقية تكمن في أعماقِ الفؤاد، فطلبتُ لوحاتٍ وألواناً ورسمتُ شمساً ساطعة وزهوراً رائعة وثبَّتها على الحائطِ فأصبح المكانُ مشرقاً معطراً. 

يبتاعُ قلبي

 محمد السيد

عيناكِ أجمل من هما لا لمْ أرى

            كجمالِ  بدرٍ في سمائيْ قدْ سرى

مِنْ سوقِ عينيكِ اشتريتُ أنا الهوى

             وابتاعَ  قلبيْ  كلَّ حُسنٍ  يُشترى

في جُنحِ ليلٍ قد رأيتُهما بهِ

            فرجعتُ للزمنِ الجميلِ إلى الورى

ليسافرَ  الحبُّ  البديعُ  بداخلي 

              فيُحيل  قلبي  لؤلؤاً  بعدَ  الثرى

وأصير  مثلَ  العاشقينَ  متيَّماً

            والعشقُ في جسدِ المحبَّةِ قد برى

صبٌّ  بهِ كلّ  المدائنِ  شَيَّدتْ

               بتلاتِ  زهرٍ  بالفؤادِ  من القُرى


أنواعُ القلوب

 محمد السيد هناك   قلوبٌ   جدباء   لا   زرعٌ   فيها   ولا   ماء،   وهناك   قلوبٌ   خَصْباء   تُربتُهَا   والغيثُ   سواء .